
أهمية الصحة النفسية في قطاع الطيران
تُعتبر الصحة النفسية للأفراد العاملين في مجال الطيران قضية متزايدة الأهمية تثير قلق شركات الطيران والجهات المعنية، فضلاً عن المسافرين أيضاً. الحادثة الأخيرة المتعلقة بشركة الطيران الهندية، والتي أشارت التحقيقات الأولية إلى أن قائد الطائرة قد يكون سبب سقوطها بشكل متعمد، تذكرنا بحادث مشابه لطائرة “جيرمان وينغز” في عام 2015، حيث أقدم مساعد الكابتن على ارتكاب فعل مأساوي أدى إلى وفاة 150 شخصًا بسبب معاناته من الاكتئاب. بعد تلك الحادثة، أوصت وكالة سلامة الطيران الأوروبية بتطبيق إجراءات صارمة تشمل ضرورة وجود طيارين اثنين في قمرة القيادة في جميع الأوقات ومراقبة الحالة النفسية لطاقم الطائرة.
الصحة النفسية والطيارين
قبل عقد من الزمن، أصدرت دار نشر جامعة الملك سعود كتاب “علم نفس الطيران”، الذي يُعد مرجعًا مهمًا في هذا المجال. وقد تناول بحث حديث للدكتور عبدالرحمن السلمان التحديات النفسية التي تواجه صناعة الطيران، مشيراً إلى أن 23% من حوادث الطيران في العقد الماضي كانت مرتبطة بعوامل نفسية، وذلك وفقاً لتقرير منظمة الطيران المدني الدولي لعام 2024. الورقة تحتوي على بيانات هامة، حيث أظهرت دراسة مشتركة بين الاتحاد الدولي للنقل الجوي ومنظمة الصحة العالمية أن 56% من الطيارين يعانون من أعراض الاكتئاب، كما أن 41% منهم يعانون من قلق الأداء ويشير 14% إلى أفكار انتحارية.
أما بالنسبة لأطقم الضيافة الجوية، فقد أظهرت الأبحاث أن 63% منهم يعانون من الاكتئاب و52% من القلق، مما يثير مخاوف جادة حول صحتهم النفسية. كما تبين أن 48% من المراقبين الجويين يعانون بدورهم من الاكتئاب و34% من قلق العمل، وهو ما يدل على أن تأثير الصحة النفسية يمتد ليشمل جميع العاملين في قطاع الطيران.
من المقلق أيضًا أن 76% من الموظفين في هذا المجال يتجنبون طلب المساعدة النفسية خوفًا من فقدان وظائفهم أو رخصهم المهنية، مما يستدعي مراجعة السياسات المعمول بها في هذا الصدد. في كندا، تم إطلاق برنامج “الأجنحة الصحية” الذي يركز على الوقاية والكشف المبكر والعلاج الشامل لرفاهية العاملين في مجال الطيران، وحقق نتائج إيجابية تمثلت في زيادة الإبلاغ عن الأعراض النفسية وانخفاض الحوادث المرتبطة بالتوتر النفسي.
أما من الناحية التقنية، فقد طورت وكالة ناسا نظاماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحليل نبرة صوت المراقبين الجويين، ما يساهم في رصد علامات القلق وتوفير التدخل المبكر. يتطلب التوسع المستمر في قطاع الطيران اهتمامًا متزايدًا بالصحة النفسية للعاملين في هذا المجال، إذ أن ضمان السلامة الجوية يعتمد أولًا على صحة وسلامة الأفراد الذين يقومون بتشغيل الأنظمة، مما يبرز أهمية التعامل مع هؤلاء الأشخاص بشكل يتماشى مع متطلبات الحماية والسلامة.