الإمارات: موازنة تحت أنظار الذكاء الاصطناعي

الإمارات: موازنة تحت أنظار الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي في إعداد الموازنة العامة

حققت دولة الإمارات العربية المتحدة إنجازًا غير مسبوق على مستوى العالم بإعتمادها الذكاء الاصطناعي في إعداد الموازنة العامة لحكومتها الاتحادية، ما يؤسس لمرحلة جديدة في إدارة المال العام تعكس بدورها رؤية متقدمة لمفهوم الكفاءة الحكومية والاستباق المالي. هذا التحول لا يقتصر على الجانب التقني فقط، بل يمثل نقلة مفاهيمية تهدف إلى الابتعاد عن التقديرات التقليدية والقرارات الحدسية في مجال المال العام.

التحول في السياسات المالية

بعد بدء وزارة المالية في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في إعداد موازنة 2024، انتقلت الإمارات في 2025 للمرحلة التنفيذية الكاملة بإطلاق دورة الموازنة الذكية 2027–2029، وهي أول دورة اتحادية في العالم تعتمد بالكامل على أدوات الذكاء الاصطناعي والتحليل التنبؤي. القيمة الإجمالية لهذه الدورة تبلغ نحو 245 مليار دولار تمتد على أربع سنوات، وتعتمد على نماذج خوارزمية لتخصيص الموارد وتقييم الأداء بما يتماشى مع الأولويات الاستراتيجية الوطنية.

تنظيم “الملتقى الوطني للذكاء الاصطناعي المالي” في مايو 2025 كان خطوة أخرى لتعزيز هذا التحول من خلال وضع خطة متكاملة تشمل ستة محاور رئيسة: الرؤية المستقبلية للمالية الحكومية، العمليات الذكية، حوكمة البيانات، البنية التحتية، بناء القدرات وتأثير الوزارة كمؤسسة مستقبلية. وأكدت الوزارة أن دمج الذكاء الاصطناعي في المالية العامة لا يهدف فقط إلى تسريع الإجراءات، بل يسعى إلى إعادة تشكيل ثقافة صنع القرار المالي.

تقديرات الوزارة تشير إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي أسهم في تحسين كفاءة تخصيص الموارد بنسبة تصل إلى 20% خلال المرحلة التجريبية، وتقليص الفجوة بين الموازنات التقديرية والتنفيذ الفعلي بنسبة 12%. كما حقق تسريعًا في إعداد الموازنة بنسبة 30%، لتقليص الوقت اللازم لاتخاذ القرار المالي في بعض الجهات الحكومية من أسابيع إلى أيام. من المتوقع أن يقلص الدورة الجديدة إعداد الميزانية من 50 خطوة إلى 10، وقائمة الشراء الحكومي من 60 يومًا إلى أقل من 6 دقائق.

تتجلى فوائد هذا التوجه في تحليل الطلب على الخدمات الحكومية ومقارنته بالأداء الفعلي، مما يعزز الربط بين الموازنة ونتائج الأداء، ويزيد من الشفافية الحكومية. كما تستفيد الإمارات من تكامل هذا النهج مع منظومة “بيانات الإمارات”، التي تجمع بيانات من أكثر من 30 جهة اتحادية وتعتبر من أكثر قواعد البيانات الحكومية تطورًا في المنطقة.

حصلت وزارة المالية على تقدير دولي بفوزها بجائزة “Innovating for Impact” خلال قمة الذكاء الاصطناعي للأعمال الصالحة 2025 في جنيف، مما يعكس ريادتها في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين السياسات المالية. ومع ذلك، لا يخلو هذا التقدم من تحديات، أبرزها ضمان حيادية الخوارزميات وتعزيز القدرات البشرية اللازمة لتحليل البيانات واستخدام الأدوات التنبؤية. لهذا، أطلقت الإمارات مبادرات مثل “مُبرمج الحكومة” و”الذكاء الاصطناعي للجميع” لتأهيل الكوادر الحكومية، بالتوازي مع تطوير تشريعات وطنية لحوكمة البيانات بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

تظهر الإمارات جرأة واضحة في دمج الذكاء الاصطناعي في واحدة من أكثر العمليات الحكومية حساسية – إعداد الموازنة – ليس كما هو إجراء تقني فقط، بل كأداة لتحويل الثقافة الإدارية في المالية من التقدير إلى الاستباق، ومن البيروقراطية إلى المرونة. تمثل تجربة الإمارات في دمج الذكاء الاصطناعي في الموازنة العامة نموذجًا رائدًا يمكن أن يُحتذى به على المستويات العربية والعالمية، إذ تعكس عزمها على تحسين كفاءة السياسات العامة وجعلها أكثر قربًا من الواقع وأسرع في الاستجابة للتحديات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *