الشماتة السياسية ودلالاتها
الشماتة السياسية ليست ظاهرة جديدة، لكنها اكتسبت زخماً كبيراً بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي منحتها صوتاً عالمياً. بمجرد أن تحدث مأساة في أي بلد، سواء كانت نتيجة قصف أو زلزال أو انهيار نظام سياسي، تنطلق أصوات التشفي والشماتة، وتُنبش الجراح ويُسكب الملح على الآلام. في هذه اللحظات، لا يُنظر إلى الإنسان كإنسان، بل كطرف “آخر” يستحق ما جرى له. تتصدر الاشاعات والصور المؤلمة والمزحات السامة عن تلك الأوطان المنكوبة، حيث تُلغي الكرامة من حسابات الأفراد، ويُعفى الضمير مؤقتاً بحجة الخلافات السياسية أو الطائفية أو العقائدية أو التاريخية.
التشفّي وعواقبه
على النقيض، يمكن اعتبار التجربة السعودية نموذجاً ناضجاً في كيفية التعامل مع الخصوم في أوقات الضعف. في تاريخ السعودية، لم يُظهر السعوديون هذا النوع الرخيص من التشفي حتى في أصعب الظروف. نادراً ما يشمت السعوديون في الآخرين، حتى عندما تعرض الإيرانيون لاعتداءات من قِبل العدو. فرغم العداء الطويل والاستفزازات، لم يتحلَّ السعوديون بشماتة ضد الملالي، بل أبدوا تضامناً معهم في مواجهة العدوان الصهيوني.
عبر التاريخ، لم يعبر السعوديون عن شماتتهم في شخصية مثل محمد علي الذي هزمته أوروبا، أو في جمال عبد الناصر الذي كان له مواقف عدائية تجاههم. ورغم الصراعات، لم تُسجل أي ضحكات من جانبهم بعد هزيمة عبد الناصر في عام 1967، بل قام الملك فيصل بتقديم مساعدة لمصر للتخفيف من آثار الهزيمة، مما يعكس أن الأخلاق في السياسة تتطلب مسؤولية واهتمام بالتاريخ.
الشماتة ليست دائماً نتيجة عدم الوعي، بل قد تكون مدفوعة بدوافع متعددة مثل الشعور بالتفوق أو تصفية الحسابات، وهي أداة تستخدمها بعض الأنظمة لصرف أنظار شعوبها عن أزماتها. كما أن الشماتة تُعتبر وسيلة للتجييش الإعلامي وتبرير السياسات العدائية.
في المجمل، الشماتة ليست انتصاراً، بل هي سقوط أخلاقي في موقف كان يمكن أن يتحول إلى فرصة للتعاطف أو الصمت الواجب. الشعوب التي تسعى لبناء مجدها الحقيقي لا تجد الفرح في مآسي الآخرين، بل تتألم بصمت وتتعلم بهدوء، مدركةً أن القوة الحقيقية تكمن في تجاوز الكراهيات والصراعات الشخصية.
في الختام، إن الشماتة ليست مجرد رأي سياسي، بل هي عار أخلاقي ومثلبة سلوكيات تعبر عن عجز سياسي.