
السياسة الجزائرية في مواجهة تكتلات دولية جديدة
في الوقت الذي تواصل فيه الجزائر جهودها الحثيثة للانضمام إلى التكتلات الإقليمية الكبرى، عازمة على استعادة شرعيتها الدبلوماسية، جاء الأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، كاو كيم هورن، إلى المغرب في زيارة تاريخية تُعد الأولى من نوعها لمسؤول بهذا المستوى إلى القارة الإفريقية. وتُعبر هذه الزيارة عن المكانة الرفيعة التي تحظى بها المملكة في هذا التكتل الدولي المتنامي. فور إعلان الجزائر عن انضمامها إلى “معاهدة الصداقة والتعاون” الخاصة بـ “آسيان”، وجدت نفسها في وضع محرج، حيث اختار كاو كيم هورن المغرب وجهة رئيسية ليُثني على الدور الريادي لجلالة الملك محمد السادس، مُشيداً بالعلاقات الاستراتيجية والمتينة التي تربط المملكة بدول جنوب شرق آسيا، وهي علاقات تمتد على سنوات من التعاون الفعلي، بعيداً عن التوقيعات البروتوكولية غير المجدية.
محاولات متكررة نحو التكتلات الدولية
استمرت الجزائر على مدار السنوات الخمس الماضية في تجربة الوصول إلى التكتلات الدولية الصاعدة. ورغم تُوجهها القوي نحو الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، فإن إحباطاً كبيراً ساد عقب قمة جوهانسبرغ عام 2023، حيث تم استبعاد الجزائر دون تفاصيل رسمية، واستُقبلت دول عربية وأفريقية أخرى. وأكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن المكانة الدولية للدول كانت من بين المعايير الأساسية لاختيار الأعضاء الجدد، مما أثار استياءً واضحاً في الساحة الجزائرية. تسعى الجزائر اليوم لترميم هذه الخسارة عبر معاهدة صداقة رمزية مع “آسيان”، في وقت سبق للمغرب أن أبرم نفس الاتفاق في عام 2016، وتوجّه نحو تحقيق شراكة مُعتبرة من خلال حصوله على صفة “شريك الحوار القطاعي” عام 2023، وهو ما يعتبر امتيازاً لا تتمتع به أي دولة أخرى في شمال إفريقيا.
فرص التعاون والاعتراف الدولي
بينما تظهر خطوات الجزائر كنوع من الهرولة السياسية تجاه “آسيان” في محاولة لتعويض النكسات الدبلوماسية، يبرز المغرب كشريك ناضج لهذا التكتل من خلال خطة عمل 2024-2028، وزيادة المبادلات التجارية التي اقتربت من مليار دولار، بالإضافة إلى برامج تدريب موجهة للدول الآسيوية والأفريقية، إلى جانب دعم الرابطة لوحدة الترابية للمغرب. وفي زيارته للرباط، أشار الأمين العام للرابطة إلى أن المغرب يمثل بوابة حيوية نحو إفريقيا، وأبدى اهتمام بلدان “آسيان” على الاستفادة من موقع المملكة المتميز وبنيتها التحتية المتطورة.
التناقض بين الطموحات والواقع
زيارة كاو كيم هورن للرباط بعد أيام فقط من توقيع الجزائر على اتفاقية الانضمام تُسلط الضوء على الفارق الكبير بين من يبني مكانته بالجهود المستمرة والموثوقية، ومن يسعى للاستفادة السياسية من خطوات رمزية دون رصيد دبلوماسي حقيقي. بينما يستقبل المغرب قادة “آسيان” كشريك موثوق، تبقى الجزائر تبحث عن الاعترافات الدولية، رغم ما يعكسه الوضع من ضعف حقيقي في بنيتها السياسية والاقتصادية في أعين التكتلات العالمية.