
الاستجابة المؤسسية في مواجهة السلوكيات المفرطة
في وطن يسعى إلى بناء مشروعات عملاقة وترسيخ قواعد الأمن والتنمية، لا تكفي المديح لتقدير الاستجابة المؤسسية دون النظر إلى الجذور التي تؤدي إلى السلوكيات المتكررة. يتضح من المشهد العام وجود تناقض، حيث تتواجد مؤسسات أمنية وتنظيمية قادرة على التعامل بحزم وجاهزية، إلا أن هناك سلوكيات مجتمعية متفرقة تشير إلى تحول في بعض السلوك العام، خاصة بين الشباب، مما يستدعي قراءة عميقة تتجاوز الظواهر إلى المنظومة الكامنة.
التحليل الأخلاقي للسلوك المجتمعي
المشهد الأول يأتي من عمق السوق المالية، حيث أعلنت هيئة السوق المالية عن إدانة عشرة مستثمرين لمخالفتهم الأنظمة، وتم تغريمهم بمبلغ يزيد عن 860 ألف ريال، بالإضافة إلى إلزام مستثمرين آخرين بإعادة أكثر من 96 مليون ريال من المكاسب غير المشروعة. تعد هذه المخالفات تهديدًا مباشرًا لثقة المستثمرين، مما يؤثر على مصداقية بيئة الاستثمار. المواطن العادي قد يشعر بعدم الثقة في قواعد المنافسة النزيهة عندما يدرك أن هناك تلاعبًا يمكن أن يؤثر على قراراته. ومع ذلك، فإن سرعة وشفافية الهيئة في التعامل مع هذه المخالفات تضفي نوعًا من الاطمئنان على وجود محاسبة فعلية تشرف على البيئة الاستثمارية.
أما المشهد الثاني، فقد حمل طابعًا أخلاقيًا أكثر إزعاجًا حيث تم تداول مقطع يظهر تحرش مجموعة من الشباب بامرأتين في مكان عام بلا مبرر واضح. هذا السلوك يعكس انزلاقًا أخلاقيًا ويطرح تساؤلات حول دور الأسرة والمجتمع في توجيه القيم. وعلى الرغم من ذلك، كانت استجابة الجهات المعنية سريعة، حيث تمكنت شرطة الرياض من القبض على المتورطين وإحالتهم للنيابة، مما يوضح أن كرامة المرأة ليست موضع نقاش وأن حماية الأفراد هي مسؤولية وطنية.
المشهد الثالث يظهر مجموعة من المراهقين يتصرفون بشكل يهدد سلامة الآخرين، حيث قاموا بإلقاء أشياء على سيارات المارة. رغم أن التصرف قد يبدو عابرًا، إلا أنه يعكس نقصًا في الانضباط الذاتي ويظهر تراجع القيم لدى بعض الفئات. قامت وزارة الداخلية بالتحرك بسرعة عندما ألقت القبض على المتورطين، مشددة على أن انتهاك النظام غير مقبول بأي شكل.
تتشابه هذه المشاهد في دلالتها، حيث تكشف عن يقظة مؤسسية عالية، ولكنه في ذات الوقت توجد سلوكيات سلبية متكررة تتطلب معالجة أعمق من مجرد التدخل الأمني. عند تكرار الأخطاء رغم العقوبات الواضحة، يصبح السؤال حول فعالية التنشئة الاجتماعية وقوة المنظومة القيمية أكثر إلحاحًا. نحتاج إلى مشروع وطني شامل يعيد الاعتبار للتربية السلوكية، ويعزز من مفهوم المسؤولية الفردية، ويعيد تعريف العلاقة بين الحرية والانضباط.
إن هذا الوطن يستحق أن نرتقي به أخلاقيًا كما فعلنا عمرانياً، وأن تكون منظومتنا السلوكية في مستوى تطلعاتنا التنموية، لأن الأمن لا يضمنه النظام وحده، بل يصنعه الضمير أولاً وقبل كل شيء.