
القضية المعقدة لهانيبال القذافي والجمود اللبناني
دخل ملف تسليم هانيبال معمر القذافي من لبنان إلى ليبيا في حالة جمود تام، حيث أيدت السلطات اللبنانية موقفها الرافض لأي تسوية لا تقوم على الشروط القانونية، أبرزها تسلّم الملف الكامل للتحقيقات المتعلقة بقضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه عام 1978.
القرار اللبناني بشأن تسليم القذافي
جاء هذا الرفض اللبناني في رد رسمي من القضاء اللبناني إلى نظيره الليبي، حيث أكد أنه لا يمكن اتخاذ أي خطوة نحو تسليم نجل الزعيم الليبي الراحل إلا بالتزام طرابلس بمذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في عام 2014، والتي تنص على التعاون الكامل بشأن قضية الإمام الصدر، بما في ذلك مشاركة ممثلين لبنانيين في سير التحقيقات والمحاكمات.
رغم مرور أكثر من عقد من الزمن على توقيف هانيبال القذافي في لبنان، إلا أن الاتصالات بين الجانبين لم تحقق تقدمًا ملموسًا. فعلى الرغم من بدء المحادثات الثنائية بعد توقيع محضر تفاهم إضافي في تونس عام 2016، لم تقم ليبيا بتسليم أي وثائق رسمية، مما تعتبره بيروت خرقًا للاتفاقات السابقة. في عام 2023، قام النائب العام الليبي بدعوة للتعاون عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذه الدعوة ظلت شكلية دون خطوات فعلية، وفقًا لمصادر قضائية لبنانية. وقد تكررت الوعود الليبية مرة أخرى في العام التالي عند زيارة وفد ليبي إلى بيروت، لكنه غادر دون تقديم الملف المطلوب، مكتفيًا بوعد لم يتحقق لاحقًا.
وفي نوفمبر 2024، نتج عن لقاء عقد في إسطنبول مزيد من التوتر بين الجانبين، حيث رفض الوفد القضائي الليبي – المكون من ثلاثة قضاة – تسليم أي مستندات متعلقة بالقضية، بل اقترحوا تحويل الملف إلى السفارة الإيرانية في طرابلس، وهو ما قوبل برفض لبناني قاطع.
تشدد السلطات القضائية اللبنانية على ضرورة الالتزام بشروط رئيسية لا يمكن تجاوزها: أولًا، الالتزام بمذكرة التفاهم لعام 2014 كإطار قانوني للتعاون القضائي، وثانيًا، تسلم الملف الليبي الكامل حول الإمام موسى الصدر كخطوة أولية ضرورية قبل أي مناقشة بشأن القضية. وقد رفض لبنان ما يسميه “الابتزاز الإنساني” من قبل بعض الجهات التي تشير إلى حالة هانيبال الصحية، مؤكدًا أن ذلك لا يعفي الجانب الليبي من مسؤولياته القانونية ولا يؤثر على التحقيق في قضية عانت من غموض لفترة طويلة.
مع استمرار التعنت من قبل الجانبين، يتجه ملف هانيبال القذافي نحو مزيد من التعقيد. إذ تطالب طرابلس بتسليمه دون تقديم أي التزامات واضحة، في الوقت الذي تتمسك فيه بيروت بالمستندات المطلوبة كشرط مسبق. في ظل هذا الوضع، يبقى مصير القضية معلقًا، في انتظار إرادة سياسية حقيقية تعيد فتح مسار قضائي قد أغلق فعليًا. المراقبون يتوقعون استمرار هذا الجمود، خاصة في ظل غياب ضغط دولي فعّال أو وساطة موثوقة للرأب بين الجانبين، مما يؤدي إلى بقاء هانيبال القذافي خلف القضبان اللبنانية، ومصير الإمام موسى الصدر في دائرة الغموض.