لبنان في انتظار ردود الفعل الأمريكية: مصيره في الميزان

لبنان في انتظار ردود الفعل الأمريكية: مصيره في الميزان

لبنان في ظل التوترات الدولية

بين كل ما تم الحديث عنه في بيروت وما هو غير معلن بعد في واشنطن، يجد لبنان نفسه الآن في مرحلة انتظار غير محددة تشبه العد التنازلي. لا توجد حرب حقيقية، ولا سلام مستقر، بل حالة من الترقب لما قد تحمله الأيام القادمة: فهل سيكون الرد اللبناني بداية لمفاوضات جادة نحو تسوية، أم مجرد فرصة ضائعة أخرى في سلسلة الفرص المهدرة في تاريخ لبنان؟

لبنان بين واقع داخلي وآمال خارجية

إنها لحظة حاسمة غير محايدة، معلقة على فترة أمريكية تبدو وكأنها تفصل بين حقبتين: لبنان القديم، الذي يحكمه توازنات داخلية واعتبارات إقليمية، ولبنان الجديد، الذي يُفترض أن يتحول إلى دولة ذات قرار موحد، حيث يحتكر الجيش اللبناني السلاح. لكن من الذي يقرر شكل هذا التحول؟ هل لا تزال بيروت قادرة على كتابة مصيرها، أم أن مهلة المفاوضات التي تقدمها واشنطن هي النص المعترف به على الساحة الدولية؟

تساؤلات عديدة تدور حول مدى اقتناع الأمريكيين بالرد اللبناني. فقد أظهر تعليقهم الأول على الرد لهجة إيجابية، حيث استخدمت مصطلحات مثل “رد رائع” و”واقعي”، الأمر الذي يعكس الرضا عن مضمون الرد. لكن هذه اللغة الإيجابية تخفي وراءها طلباً أمريكياً واضحاً: الالتزام اللبناني بخطوات محددة تنتهي بلبنان دون سلاح خارج إطار الشرعية.

وحسب ما تسرب، فإن الرد اللبناني لم يكن برفض أو قبول مطلق، بل تناغم مع الطرح الأمريكي مع الحفاظ على بعض الهامش للمناورة. لكن القلق الأمريكي يكمن في توقيت هذه المناورة، حيث أن المهلة المقدمة ستنتهي خلال أشهر مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لانتخاب الرئيس دونالد ترمب، ما يعني تحول التركيز الأمريكي نحو أولويات داخلية جديدة.

على أرض الواقع، قدمت بيروت ردها، لكن الخلافات الداخلية لا تزال قائمة. فقد ساهمت مؤسسات الدولة الرئيسية في صياغة الوثيقة، لكن الوزن الفعلي للقرار لا يزال في يد “حزب الله”، الذي لم يعلن موقفاً رسمياً بعد. ويبدو أن هناك نزاعاً واضحاً حول أي التزامات، حيث يُشترط استمرار الوضع القائم بوجود انسحاب إسرائيلي كامل من الجنوب بالإضافة إلى استبعاد التفسيرات الإسرائيلية للقرار 1701. وهذا يعكس أن بيروت كتبت ردها، لكن تحت ضغوط مزدوجة من الدولة ومن “حزب الله”.

زيارة المبعوث الأمريكي المرتقبة إلى بيروت ستكون أكثر أهمية حيث سيتعين عليه اختبار مدى جدية الحكومة اللبنانية في تنفيذ ما جاء في الوثيقة. هل سيتخذ “حزب الله” خطوات للتقليل من تصعيده، أم سيواصل نهجه التصعيدي؟ علاوة على ذلك، لا يمكن تجاهل المناخ الإسرائيلي الذي يبدو غير متحمس لأي تسويات من شأنها أن تعزز موقف الحزب.

تواجه واشنطن معضلة حقيقية فهي تدرك أن انهيار لبنان لن يكون في صالحها، مما قد يؤدي إلى إعادة طرح معادلة “الحل مقابل الضمانات”؛ حيث يُمكن أن تكون هناك خطوات تدريجية من “حزب الله” تقابلها مزايا مثل انسحاب إسرائيلي تمهيدي.

في الختام، متى ستحسم أمور لبنان؟ بينما يحمل براك ورقة ذات تأثير كبير على شكل مستقبل لبنان، فإن اللحظة التي سيحدد فيها الرد الأمريكي ستكون مفصلية؛ إما السعي لتحويل هذا الواقع إلى فرصة مدعومة دوليًا، أو السقوط مرة أخرى في دوامة الانتظار. في النهاية، سيكتب مصير لبنان بين بيروت وواشنطن، لكن توقيت كتابة هذه الصفحات وسرعتها باتا خارج نطاق السيطرة اللبنانية. الآن، السيطرة في يد براك والخريطة تنتظر التوقيع قبل أن تطوى.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *