تحدي الوصول: انضموا إلينا إن كان بإمكانكم! – صحيفة مكة الإلكترونية

الطاقة كوسيلة للتنمية المستدامة

قالها الوزير بثقة، وكأن كلماته خيوط من نور تخترق ضباب التناقضات. لم تكن مجرد عبارة بل دعوة لرؤية الأفعال. بينما تشتبك الأصوات العالمية بين رغبات الشعارات وحقائق السياسات، اختارت المملكة مسارًا متميزًا. فبدلاً من ملاحقة العناوين، صاغت موقفها استنادًا إلى الحكمة وبنت شبكتها من منطلق الاستباق بدلاً من رد الفعل.

عندما ارتفعت الأسعار وازدادت التحالفات تقلبًا وخيم الخطر على الشتاء الأوروبي، كانت المملكة تعمل بثبات، مستخدمة العقل بديلاً عن الضجيج. كانت الرؤية واضحة: لا تنمية بدون ثقة، ولا طاقة بلا إنسان، ولا قرار بلا استعداد. المشروعات التي بدأت قبل الأزمات – من سكاكا إلى دومة الجندل – لم تكن وليدة الصدفة، بل نتيجة لرؤية مستقبلية واعية.

عندما عادت أوروبا إلى الفحم، لم ترفع المملكة صوتها بل عززت من ثقتها. أعلنت ببساطة: لا نُسيّس الطاقة، ولا نُفرط في العناوين. نحن نصدر النفط بعقل، وننشر الطاقة الشمسية بحكمة، ونحلل المشهد من خلال الحفاظ على الاستقرار بدلاً من الانجراف وراء العواطف.

توازن القوة في السياسات

تُفهم السياسات عندما يشعر الناس بالأمان. فمع انتظام الفواتير واستمرارية الصناعات، هناك من يحرس التوازن. ومن يتأمل تفاصيل “أوبك+” أو خريطة الربط، يدرك أن تلك القرارات مبنية على رؤية بعيدة المدى، وليس على ردود أفعال اللحظة.

في جوهر هذه الرؤية، لا يُعتبر الإنسان مجرد مستهلك، بل جزءًا من آلية تحقيق الاستقرار. إن مشروعات الطاقة ليست مجرد بنى تحتية، بل أدوات تساهم في تحسين جودة الحياة. ما يتم بناؤه اليوم يُعتبر إرثًا للأجيال القادمة.

تُقاس قوة الاقتصاد بمدى رصانة القرار، وليس فقط بالإنتاج. فعندما تُعدل المملكة من معدلات إنتاجها، تأخذ في الاعتبار السوق دون أن تتبعه، وتزن التأثيرات بدلاً من أن تكون تحت تأثيرها. إذًا، إن التوازن هو جوهر القوة.

الطموح هو من يقول “لا” في وجه الضغوط، و”نعم” عندما تظهر الفرص. لم تتراجع المملكة، بل تمسّكت بمبادئها: لا تتبع التهويل ولا تغفل الأهداف. فطموحها هو عصارة الصبر والحكمة.

شكلت الحرب في أوكرانيا اختبارًا على الساحة العالمية. فعندما عادت أوروبا إلى الفحم، انكشف تناقضها وتهاوت الأقنعة. لكن المملكة بقيت ثابتة على موقفها، غير مستعدة للرهانات على الأسواق بل متمسكة بمسؤوليتها الثابتة.

في أمريكا، تغيرت السياسات بتكرار، حيث قام البعض بسحب من الاحتياط وآخرون بفتح باب الإنتاج. لكن المملكة ظلت في منتصف الطريق، تقرأ السوق وتتفاعل بما يحقق أمن الطاقة على المستوى العالم.

تحالفات المملكة، من أوبك+ إلى IMEC، ليست ردود فعل، بل أدوات تأثير فعالة. من موقعها الجغرافي الاستراتيجي، تمسك المملكة بخيوط القرار، لا تهزج ولكن تقنع. وسرّ هذه المرونة يتجلى في صورة رمزية تظهر شحن سيارة كهربائية من مولد يعمل بالديزل، مما يجسد التناقض العالمي حين تصبح الوسيلة عكس الغايات المطلوبة.

المملكة ترفض هذا النهج غير المنطقي. فهي لا تبيع الوهم بل تبني بدائل حقيقية. حين تُطلق مبادرة، فإنها تخطط لها بدقة. وعندما تصمم مسارًا، تنجزه بنجاح.

عبّر مجلس الوزراء عن هذا الاتجاه من خلال دعم اتفاقيات نوعية تهدف إلى بناء منظومة متكاملة لتصدير الطاقة النظيفة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، من المملكة إلى أوروبا. هذه المبادرات تعكس مكانة المملكة القيادية في ربط الأسواق وتعزيز سلاسل الإمداد، كما تعزز من دورها الأهمية في توجيه الاقتصاد الدولي، خصوصًا في مشروعات كبرى تربط بين الهند، والشرق الأوسط، وأوروبا.

إنها ليست مجرد اتفاقيات؛ بل هي خارطة طريق تؤكد أن الطاقة في مفهوم المملكة أصبحت أكثر من مجرد سلعة، بل لغة جديدة للتعاون والتنمية عالمية.

ومع أن رؤية 2030 ليست مجرد شعار، بل مشروع حي، فقد تجسدت في سياسات طاقوية تجعل الإنسان في قلب القرار، والاقتصاد في خدمة الاستقرار، والطموح رافدًا لمستقبل مشرق.

هذه البلاد لا تخشى العواصف. تعرف من أين تبدأ وإلى أين تسير. لا تبني فقط مشروعات، بل تبني الثقة. وعندما قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان: “نعدل حسب الحاجة وننفذ كما نعلن”، فقد لخص كل شيء: وضوح الرؤية، صدق الموقف، وأمانة القرار. هكذا تُفهم القيادة، وهكذا يُقرأ الوطن.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *