هل تستمر صمود الضفة الغربية كما صمدت غزة؟ تطورات عاجلة في الساحة المحلية

هل تستمر صمود الضفة الغربية كما صمدت غزة؟ تطورات عاجلة في الساحة المحلية

كتب أ.د. محمد تركي بني سلامة – في ظل التصعيد الإسرائيلي المتواصل، يستعد الكنيست الإسرائيلي غدًا الأربعاء للتصويت على قانون ضم الضفة الغربية بشكل رسمي إلى السيادة الإسرائيلية، مما يمثل ذروة لمشروع استعماري استيطاني طويل الأمد يهدف إلى محو الوجود الفلسطيني قانونيًا بعدما تم تقويضه فعليًا عبر الاستيطان، والحصار، والقتل الممنهج. هذا الأمر ليس مجرد قرار سياسي عابر، بل يعد حلقة حاسمة ضمن مشروع إقصائي عنصري بدأ بإقرار قانون “يهودية الدولة” في عام 2018، الذي نص بوضوح على أن إسرائيل هي الوطن القومي لليهود وحدهم، مما يستبعد أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين التاريخية أو حتى بمواطنتهم الشكلية. إذا تم إقرار قانون الضم، سيكون بمثابة الإعلان الرسمي عن نهاية حل الدولتين، وسيُحدث تحولًا من الاحتلال المؤقت – نظريًا – إلى ضم دائم ونهائي، بما يحمله ذلك من تهجير جماعي متوقع وتطهير عرقي، تحت ذرائع قانونية جديدة. لم يعد الأمر مجرد فرضية أو تحذير أكاديمي، بل أصبح سياسة عملية تتقدم بخطى ثابتة نحو فرض واقع لا يمكن التراجع عنه. التاريخ يُعلمنا أنه بعد الضم دائمًا ما يتبعه التهجير، وبعدين يأتي القتل أو الإخضاع، وهي ذات الأدوات التي ساهمت في بناء مشروع إسرائيل منذ نكبة 1948 وحتى اليوم.

ضم الضفة: واقع مؤلم ومحطات مقاومة

إن هذا التطور الخطير يطرح تساؤلات وجودية حول قدرة الفلسطينيين في الضفة على الصمود. هل سيتمكنون من الثبات كما فعل أهل غزة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية؟ الفجوة كبيرة بين التجربتين، فالضفة الغربية تعاني من التفكك الجغرافي، وتحيط بها الحواجز، وتخضع لتنسيق أمني مشدّد، كما تعاني من اختراقات سياسية. لكن على الرغم من هذه التحديات، تبقى شعلة المقاومة مشتعلة. في جنين ونابلس وطولكرم والقدس يستمر الشباب الفلسطيني في تحدي الاحتلال بوسائل شتى، رغم التضحيات الجسيمة. الصمود في الضفة ليس مجرد رفاهية، بل هو ضرورة وجودية لا بد منها، يستمد قوتها من تاريخ نضالي عميق الجذور.

تواطؤ عربي وتحديات أكبر

أما الموقف العربي، فلا يمكن وصفه إلا بالمتخاذل إن لم نقل المتواطئ. فالردود الرسمية لا ترتقي حتى لمستوى الحد الأدنى من الإدانة الشكلية. لم يخرج أي من الزعماء العرب لرفض هذا القرار، ولا توجد نية لدى أي دولة – خاصة تلك التي طبعت مع الاحتلال – لإعادة النظر في علاقاتها أو مصالحها المشتركة مع إسرائيل. تبدو المصالح الضيقة والحسابات الأمنية والاقتصادية أهم من فلسطين، وعند هذه النقطة من الكرامة القومية. المأساة لا تتوقف عند حدود الضفة فقط، بل الصورة أكبر وأكثر سوداوية. في غزة، تُسفك الدماء منذ أشهر بلا توقف، وتُهجّر عائلات بأكملها تحت غطاء غربي وصمت عربي. في سوريا، تتكرر الاعتداءات الإسرائيلية على مطاراتها ومواقعها السيادية دون أي رد فعل يُذكر، وكأن السيادة الوطنية لم تعد تعني شيئًا. في لبنان، تتعرض القرى الجنوبية للقصف دون أي صوت رسمي عربي يتضامن أو يرفض.

اليوم، هذه اللحظة التاريخية ليست مجرد اختبار للفلسطينيين، بل هي اختبار للعالم العربي أجمع. لأن ضم الضفة الغربية ليس نهاية المطاف، فإن الأطماع الإسرائيلية لا تتوقف عند تلك الحدود. فبعض المسؤولين الإسرائيليين ينظرون إلى دولة إسرائيل على أنها “صغيرة جدًا” وتحتاج للتوسعة. لذا، فإن السؤال لم يعد: هل ستقوم إسرائيل بضم الضفة؟ بل: ماذا بعد الضفة؟ ومتى ستستيقظ الدول العربية من سباتها؟ وهل لدينا الشجاعة لنقول: كفى؟ ما يحدث اليوم هو ليس فقط احتلالًا لفلسطين، بل هو إذلال لأمة بأكملها. التاريخ لن يرحم المتخاذلين، ولن يغفر للساكتين.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *