
تراجع النظام العالمي في ظل الأزمات المتزايدة
المآسي التي تعيشها غزة من تدمير وتجويع وعنف، تهدف إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، تعكس ضعف القانون الدولي وعجز منظمات الأمم المتحدة. هذا الوضع يبرز تآكل النظام العالمي الحالي بسرعة، حيث إن الفوضى الناجمة عن الحروب في غزة ومنطقتنا، والفوضى العالمية الناتجة عن العربدة الصهيونية المدعومة من العواصم الغربية، تدفع باتجاه انتقال من نظام أحادي القطب إلى نظام عالمي جديد. النظام الذي تأسس خلال الحرب الباردة بزعامة الولايات المتحدة كان يعتمد على العولمة والتجارة الدولية، ويواجه الآن تحديات كبيرة، تتضمن التراجع النسبي للهيمنة الأمريكية مع بروز الصين وجرأة الموقف الروسي.
تحديات النظام الدولي القائم
تشير مؤشرات عديدة إلى تفكك التحالفات الغربية وتزايد التوتر داخل الناتو، بالإضافة إلى الخلافات الأوروبية مع أمريكا. تتجلى الأزمات العالمية مثل جائحة كورونا وأزمة سلاسل الإمداد وزيادة الحروب في إضعاف بنية العولمة، كما أن تآكل الدولار كنظام مالي مهيمن يثير قلق معظم الدول، خاصة مع محاولات استبداله بعملات بديلة من قبل دول مثل الصين وروسيا. يظهر النظام العالمي الجديد بشكل غير مكتمل، إلا أن التغيرات السريعة في العلاقات الدولية تدل على أننا نمر بمرحلة انتقالية تلازم بين أفول نظام قديم وبروز نظام جديد.
تشير التوازنات الجديدة في النظام العالمي الجديد إلى تعدد الأقطاب، حيث تفقد أمريكا مركزها كقطب وحيد، مع صعود واضح للصين وزيادة النفوذ الروسي والهندي والتركي. كما تسعى مجموعة البريكس التي تضم دولًا مؤثرة كالسعودية وإيران ومصر، إلى إنشاء نظام اقتصادي بديل. تتجه العلاقات الدولية نحو “عولمة مجزأة”، تتسم بالصراع بين القوى الرئيسية، وعلى غرار زمن الاتحاد السوفييتي، تتزايد التيارات التي تدعو إلى السيادة الاقتصادية بدلاً من الانفتاح المطلق. تسعى بعض الدول إلى كسر المركزية الغربية في مجالات مثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وسلاسل التوريد.
العالم اليوم فارغ من الاستقرار، حيث تلتقي عملية انهيار النظام القديم مع تشكل نظام جديد، مما يعرضنا لاحتمالية نشوب صراع عسكري عالمي في أي لحظة. تأتي هذه المخاطر من القوى التي تسعى للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية. جميع الجرائم التي ارتكبها النظام العالمي أحادي القطب، وخاصة تلك الفظائع التي شهدتها فلسطين، ينبغي أن تُشكل أساسًا لإعادة بناء النظام العالمي الجديد. من الضروري إقامة محاكمات مخصصة لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة، تماما كما حدث في محاكمات نورمبرغ، لمحاسبة كل من ساهم أو دعم احتلال فلسطين. يبدأ هذا المشروع من الآن لضمان حقوق الشعب الفلسطيني والدول العربية في نظام عالمي جديد يحترم القيم الإنسانية، على عكس النظم الاستعمارية القديمة.